أُطلقت كلمة "روم" على رعايا الكنائس القديمة الخمس (روما، القسطنطينية، الإسكندرية، أنطاكية، أورشليم) لأن هذه المدن كانت المراكز الكبرى الإدراية والروحية للأمبراطورية الرومانية وهي لا تعني بالضرورة أن أبناء هذه الكنائس هم رومان أو يونان بل تدل على أنهم، بالرغم من انتمائهم إلى قوميات مختلفة، قد تبعوا إيمان الكنيسة الجامعة التي كانت حينها ضمن إطار الأمبراطورية الرومانية.
ومن المعلوم أن المراجع القديمة بما فيها العربية كانت تسمي رومان القسم الشرقي من الأمبراطورية الرومانية روم (أو) تميزاً لهم عن رومان القسم الغربي من الأمبراطورية، في حين سمّاهم الغربيون منذ القرن التاسع "Greek"، وفيما بعد بيزنطيين لكي يبعدوا عنهم الانتماء إلى الرومانية ويحتفظوا بها لأنفسهم. والواقع أن الغربيين هم الذين تغربوا عن هذه الصفة بعد احتلال القبائل الجرمانية (الغوط، الإفرنج، اللومبارديين، الأنكلوساسكون إلخ...) للغرب واندثار الحضارة الرومانية فيه، وفصله عن القسم الشرقي وبالتالي إبعاده عن منابع التقليد اللاهوتي الرسولي.
فكلمة "روم" لا تعني انتماءً قومياً، بل هي انتماءً حضارياً وختم أصالة كون "الرومانية" أو "الرومية" بشكل خاص هي البيئة التي أخذت فيها الكنيسة طابعها الثقافي والحضاري الأول إذ استعمل الرسل والآباء والشعراء الملهمون والمصورون المبدعون التعابير اللغوية والاصطلاحات الفلسفية والأصول الشعرية والموسيقية التصويرية التي كانت شائعة في تلك البيئة. والتي جمعت تأثيرات من مختلف الحضارات المنطوية تحت لواء الأمبراطورية الرومانية كاليونانية والرومانية والآرامية والمصرية إلخ... وهكذا مع الزمن صار للكنيسة أدبها المميز باصطلاحاته المسيحية الخاصة، وأيقوناتها بأسلوبها الفني الروحاني، وطقوسها بأصولها الشعرية وموسيقاها الموحية، والتي تشكل جميعها تقليدها الرسولي الكنسي وتعبر عن حياتها المتجددة، أو عمل الروح القدس فيها عبر التاريخ من خلال هذه الأطر الحضارية.