اعتمد المسيح في تأسيس الكنيسة على البشارة الشفهية التي كانت بالروح القدس، وتعطى البشارة بالتسليم. وللأسف، تُستعمل في اللغة العربية كلمة تقليد بدلاً من تسليم وهي ترجمة غير دقيقة لكلمة Paradosis اليونانية التي تحمل المعنى الأساسي (التسليم).

هكذا كانت وتكون حياة أعضاء الكنيسة الحقيقية، تستلم وتسلّم، التسليم الشفهي، ومن ثم المكتوب لأسباب رعائية عندما لم يستطع الرسل ترك بعض الأماكن التي كانوا فيها.

التسليم هو أسفار الكتاب المقدس ودستور الإيمان وقرارات المجامع المسكونية وكتابات وتصرّفات الرسل والقديسين وآباء الكنيسة والقوانين الكنسية والكتب اللوترجية والأيقونات المقدسة، أي كل ما عبرّت عنه المسيحية الأرثوذكسية عبر العصور من عقيدة وتنظيم كنسي وعبادة وفن.

تلك هي العناصر الأساسية التي تكوِّن التسليم، ولا يمكن فصل هذه العناصر عن بعضها البعض لأن الروح القدس يتكلم من خلالها جميعاً. وهي تشكّل وحدة متكاملة ويُفهم العنصر منها في ضوء العناصر الأخرى. فلا تعتمد الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية على الكتاب المقدس وحده بل على البشارة التي بشر بها الرسل وتسليمها للكنيسة منهم.

تطوّر التعاليم أو تغييرها:

لا تتبنى الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية فكرة أن تعاليم المسيح تغيّرت من زمن لزمن، لا بل بقيت كما هي منذ اللحظة التي سلّم بها المسيح الإيمان للتلاميذ (متى ٢٨: ١٨ - ٢٠). فهي تؤكد بأن "الإيمان الذي سُلّم للقديسين" (يهوذا ٣)، هو الآن ما كان في البدء. فأرثوذكسية اليوم تؤمن بالضبط بما كانت تؤمن به أرثوذكسية القرن الواحد، الخامس، العاشر، والخامس عشر.

وتعترف المسيحية الأرثوذكسية بالتغييرات الخارجية (كالرداء الإكليركي والتقاليد الرهبانية والأعياد الجديدة وقوانين المجالس الإقليمية والمسكونية، الخ)، ولكن شيئاً لم يزداد أو ينقص من الإيمان. والتغييرات الخارجية لها هدف واحد: وهو تعبير ذلك الإيمان في ظل ظروف جديدة. على سبيل المثال، تم ترجمة الكتاب المقدس والخدمة الإلهية من العبرية واليونانية إلى لغات العالم، أو برزت عادات طقسية جديدة لتراعي الحساسيات العرقية للشعوب المعتنقة للمسيحية، الخ.

ولا تسعى الكنيسة إلى توافق العقيدة والمنطق ولا تبذل جهداً في الإثبات بالعلم أو المنطق ما أعطى المسيح أتباعه ليؤمنوا به. وإذا دعمت الفيزياء أو الأحياء أو الكيمياء تعاليم الكنيسة، فالكنيسة لا ترفض ذلك. لكن المسيحية الأرثوذكسية غير مُهددة بالتحصيل العقلي للمرء، ولا تميل له أو تغيّر في الإيمان المسيحي المستقيم (الأرثوذكسي) لتجعله متوافق مع نتائج تفكير وعلم الإنسان.